( قصة تدعوا للتفكر )
كان (حسن ) في مقتبل العمر ، أرسلته أمه ذات يوم إلى السوق ليشتري لها من دكان العم إبراهيم شيئاً من التفاح وشيئاً من البرتقال.
وقف حسن أمام دكان (عم إبراهيم) فشاهد سلال البرتقال والتفاح وأصنافا أخرى من الفواكه مصفوفة في أطباقها.. فوقف أمام البائع وقال في نفسه:
يا لحظ هذا الرجل!! كم هو سعيد!؟ انه يملك كل هذه الفواكه اللذيذة و أراد أن يتأكد من ظنه فقال بعد أن سلم عليه :
- أكل هذه الفواكه لك يا عم ؟
- نعم كلها لي .
- وهل تصنعها في البيت ؟
شك الرجل في عقل السائل وظنه غبيا وقال :
- بالطبع كلا ، فأنا اشتريها من الباعة .
فكر حسن قليلا ثم قال :
- حسنا ، انتم تشترونها من الباعة ونحن نشتريها منكم .
ولكن أليس هناك من يقوم بإنتاج هذه الفواكه من معامل؟
ضاق صدر الرجل بهذه الأسئلة الغريبة وغير المتوقعة وقال في سره :
يا للبلوى من أين جاءني هذا الصبي العفريت ؟
ثم قال بشي من الحدة يريد بذلك أن يكف الصبي عن سيل أسئلته:
- الشجرة . إنها ثمرة الشجرة يجنيها البستانيون ويأتون بها إلى المدن ونشتريها نحن ونبيعها لكم ..هذا كل ما في الأمر.
لم يفهم الصبي قصد الرجل لذا لم يكف عن السؤال فقال ببراءة طفولية: وهل كلها تكون بهذا الحجم؟
- وكيف تريدها أن تكون يا بني؟
- أريدها أن تكون أكبر من هذا بكثير.
- حسنا. لا وقت لي الآن للتحدث معك ، اذهب الآن وسأراك فيما بعد. و الآن ما هي طلباتك ؟
- كيلوان من التفاح وثلاثة كيلوات من البرتقال ، وقد أوصتني والدتي أن أقول لك أن عندنا اليوم ضيوفا وتقول ليتك ترسل لنا أحسن ما عندك من الفاكهة .
- على الرأس والعين.
رجع حسن بالفواكه إلى البيت وهناك طلب من والدته أن تأذن له بأكل برتقالة واحدة فأذنت له . فأخذها وغسلها ثم دخل غرفته وبدأ بتقشير البرتقالة ، فرأى ويا لغرابة ما رأى وكأنه اليوم يرى.. رأى لبابها متراصة بانتظام وكأنها معلبة.. فقال في قرارة نفسه.
- تُرى كيف اصطفت هذه الأجزاء المقطعة دون أن تمسها يد بشر. ثم إنني اشتريتها من (عم إبراهيم) وهو يشتريها من البستانيين وهم يقطفونها من الأشجار ولكن تُرى من ذا الذي يعطيها للشجرة؟!
خرج من غرفته وذهب إلى المطبخ حيث تعمل والدته وجلس بقربها وسألها عن ذلك فقالت:
- الله يا بني .. نعم الله خالق كل شئ !
ثم قال بينه وبين نفسه:
(أنني دفعت ثمن هذه الكيلوات الخمسة للعم إبراهيم وهو بدوره أعطى البستانيين ثمنا مقابل تلك السلال .. تُرى ألا يطلب الله سبحانه ثمنها منا وممن يجنونها من أشجارها مقابل إنعامه الكثير هذا) ؟
فسأل أمه المنهمكة في إعداد الخبز ثانية : أمي العزيزة .. أليس هذا شيئا جميل ؟!
- ماذا تريد أن تقول ؟
- أريد أن أقول أن الله الذي أحسن إلينا ، يخلق كل هذه الثمار اللذيذة لنا ولا يطلب منا ثمن مقابل ذلك .
كانت أمه تعجن ، فأعجبها كلام ابنها فتوقفت عن العجن ولكن ما زالت يداها في العجين ، ورمقته بنظرة ذات مغزى وحنان .. وأجابت ابنها الحبيب بابتسامة رقيقة:
وكيف لا يطلب شيئا يا ابني؟
- وماذا يطلب يا أمي؟
فأجابت: انه يطلب منا ثلاثة أشياء ثمنا لها.
- وما هي هذه الأشياء الثلاثة؟
فقالت: هي الذكر، والفكر، والشكر.
نظر حسن إلى أمه وقد ارتسمت في عينيه علامات الاستفهام وهي تلتمع كأضواء البرق فقال:
- لم أفهم شيئا .
قالت له أمه:
فأنت يا عزيزي مثلا ، عندما تأكل هذه البرتقالة أو أي شئ آخر فإنما عليك أن تقول: ( بسم الله ) .. هذا هو الذكر. و أثناء أكلك إياها عليك أن تذكر خالقها ومنعمها الذي أرسل إليك هذه الثمرة اللذيذة المفيدة لجسمك .. وهذا هو الفكر.
وعندما تنتهي من أكلها عليك أن تقول: (الحمد لله).. وهذا هو الشكر.
فغر فاه لحظة وكأنه غاب في عالم آخر، وفجأة هتف:
- الله الله .. يا أماه! ما أجمل هذا الكلام؟!
ثم أضافت قائلة وهي سعيدة كل السعادة:
- والفرق الكبير الكائن بين الإنسان والحيوان يا ولدي هو أن الله خلق الإنسان في أحسن تقويم ليعرفه وليعبده .
هنا هتف حسن بفرح غامر يكاد يطير:
- فهمت يا أمي .. فهمت : ذكر .. فكر .. شكر . أليس كذلك؟!
رجع إلى الغرفة ورفع يديه الصغيرتين نحو السماء كما تفعل أمه في دعواتها عقب الصلوات وقال:
إلهي! إنني أشكرك شكرا كثيرا لانك- أولا- خلقتني إنسانا ثم لأنك خلقتني مسلما.. و أشكرك على نعمك التي لا تُحصى.
وهكذا كان حسن سعيدا جدا، لأنه تعلم شيئا يحول عادته إلى عبادة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق