كانت البنيّة جالسة حين إستقبلت والدتها جارتها التي قدمت لزيارتها، كادت الأم تصعق، وهي ترى إبنتها لا تتحرك من مقعدها فلا تقوم للترحيب معها بالجارة الطيبة الفاضلة التي بادرت – برغم – ذلك إلى بسط يدها لمصافحة البنيّة، لكن البنيّة تجاهلتها ولم تبسط يدها للجارة الزائرة، وتركتها لحظات واقفة باسطة يدها أمام ذهول أمها التي لم تملك إلا أن تصرخ فيها: قومي وسلمي على خالتك، ردت البنيّة بنظرات لا مبالية دون أن تتحرك من مقعدها كأنها لم تسمع كلمات أمها...!!!
أحست الجارة بحرج شديد تجاه ما فعلته البنيّة ورأت فيها مسًّا مباشرا بكرامتها، وإهانة لها، فطوت يدها الممدودة، وإلتفتت تريد العودة إلى بيتها وهي تقول: يبدو أنني زرتكم في وقت غير مناسب!
هنا قفزت البنيّة من مقعدها، وأمسكت بيد الجارة وقبلت رأسها وهي تقول: سامحيني يا خالة.. فو الله لم أكن أقصد الإساءة إليك، وأخذت يدها بلطف ورفق ومودة وإحترام، ودعتها لتقعد وهي تقول لها: تعلمين يا خالتي كم أحبك وأحترمك..؟!
نجحت فاطمة في تطيب خاطر الجارة ومسح الألم الذي سببته لها بموقفها الغريب، غير المفهوم، بينما أمها تمنع مشاعرها بالغضب من أن تنفجر في وجه إبنتها.
قامت الجارة موَدعة، فقامت فاطمة على الفور، وهي تمد يدها إليها، وتمسك بيدها الأخرى يد جارتها اليمنى، لتمنعها من أن تمتد إليها وهي تقول: ينبغي أن تبقى يدي ممدودة دون أن تمدي يدك إلي لأدرك قبح ما فعلته تجاهك.
لكن الجارة ضمت البنيّة إلى صدرها، وقبلت رأسها وهي تقول لها: ما عليك يا بنتي.. لقد أقسمت إنك ما قصدت الإساءة.
ما إن غادرت الجارة المنزل حتى قالت الأم للبنيّة في غضب مكتوم: مالذي دفعك إلى هذا التصرف ؟
قالت: أعلم أنني سببت لك الحرج يا أمي فسامحيني.
ردت أمها: تمد إليك يدها وتبقين في مقعدك فلا تقفين لتمدي يدك وتصافحيها ؟!
قالت البنيّة: أنت يا أمي تفعلين هذا أيضا..!
صاحت أمها: أنا أفعل هذا يابنيّتي..؟!
قالت: نعم تفعلينه في الليل والنهار...!!!
ردت أمها في حدة: وماذا أفعل في الليل والنهار ؟
قالت البنيّة: يمدّ إليك يده فلا تمدين يدك إليه!
صرخت أمها في غضب: من هذا الذي يمد يده إليّ ولا أمد يدي إليه ؟
قالت البنيّة: الله يا أمي.. الله سبحانه يبسط يده إليك في النهار لتتوبي.. ويبسط يده إليك في الليل لتتوبي.. وأنت لاتتوبين.. لاتمدّين يدك إليه، تعاهدينه على التوبه.
صمتت الأم، وقد أذهلها كلام إبنتها.
واصلت فاطمة حديثها: أما حزنت يا أمي حينما لم أمد يدي لمصافحة جارتنا، وخشيت من أن تهتز الصورة الحسنة التي تحملها عني ؟ أنا يا أمي أحزن كل يوم وأنا أجدك لاتمدين يدك بالتوبة إلى الله سبحانه الذي يبسط يده إليك بالليل والنهار.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (( إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )). رواه مسلم.
فهل رأيت يا أمي: ربنا يبسط إليك يده في كل يوم مرتين، وأنت تقبضين يدك عنه، ولا تبسطينها إليه بالتوبة!
إغرَوْرقت عينا الأم بالدموع.
واصلت البنيّة حديثها وقد زادت عذوبته: أخاف عليك يا أمي وأنت لاتصلين، وأوّل ما تحاسبين عليه يوم القيامة الصلاة، وأحزن وأنا أراك تخرجين من البيت دون الحجاب الذي أمرك به الله سبحانه، ألم تحرجي من تصرفي تجاه جارتنا.. أنا يا أمي أحرج أما صديقاتي حين يسألنني عن سُفُورك، وتبرجك، بينما أنا محجبة !.
سالت دموع التوبة مدرارا على خدي الأم، وشاركتها إبنتها فإندفعت الدموع غزيرة من عينيها ثم قامت إلى أمها التي احتضنتها في حنو بالغ، وهي تردد: (( تبت إليك يا رب.. تبت إليك يارب )).
قال تعالى: { ومن يغفر الذنوب إلا اللـــــه }.
>>> لقد رآك الله وأنت تقرأ هذه الكلمات ويرى ما يدُور في قلبك الآن وينتظر توبتك فلا يراك حبيبك الله إلا تائبا. فعسى أن يكون في هذه القصة عبرة لك تكون باب خير للدعوة إلى التوبة إلى الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق